الفقه رخصة غير معلنة لقتل الزوجة

28-07-2025

دعونا نقرأ هذه الفتاوى والتفسيرات التي تدعي أنها دين، وتسيج الرقاب باسم الحق الإلهي قبل أن نعقب، وأعرف ما ستخلفه هذه النصوص مسبقاً من صدمة للعقول النيرة، لكن وجب أن نكشف الغطاء عن هذا الخبل المسمى فقهاً، حتى تعي الأمة مصيرها إن هي سلمت وأسلست قيادها للإسلامويين:

جاء في المغني لابن قدامة، كتاب الأشربة (مسألة لا يبلغ بالتعزير الحد(7378) فصل: وليس على الزوج ضمان الزوجة إذا تلفت من التأديب المشروع في النشوز، ولا على المعلم إذا أدب صبيه الأدب المشروع. وبه قال مالك وقال الشافعي.وخالفهما أبو حنيفة، وقال يضمن.

وفي المغني أيضاً، الجزء الثامن:

وقال الزهري: لا يُقتل الزوج بامرأته؛ لأنه ملكها بعقد النكاح فأشبه الأمة. ولنا، عمومات النص، ولأنهما شخصان متكافئان، يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه، فيقتل به، كالأجنبيين. وقوله: إنه ملكها. غير صحيح، فإنها حرة، وإنما ملك منفعة الاستمتاع، فأشبه المستأجرة؛ ولهذا تجب ديتها عليه، ويرثها ورثتها، ولا يرث منها إلا قدر ميراثه، ولو قتلها غيره، كان ديتها أو القصاص لورثتها، بخلاف الأمة.

انتهى نقل هذه الفتاوى التي تفرض علينا أن نطرح السؤال المجهري: هل يمكن أن يكون في الفقه الإسلامي رأيٌ يبرّئ الزوج من مسؤولية قتل زوجته إن كانت نتيجة لما يسمّى بـ"التأديب المشروع"؟ هل من المنطقي أن تُعامل الزوجة كما تُعامل الأمة أو الدابة المستأجرة؟ بين دفّات "المغني" لابن قدامة، تنكشف لنا رؤى فقهية مروّعة تمأسس لعنفٍ "مشروع"، وتمنح الذكر صلاحيات تأديبية تفوق حدود الإنسانية، بل تعفيه من التبعات القانونية والشرعية إن أفضت أفعاله إلى موت زوجته. إنها فتاوى، لا تسقط بالتقادم، لأنها تعكس بنية ذهنية تراثية استبدادية، تجعل من الزواج تملّكاً لا ميثاقاً، ومن المرأة كائناً يُؤدَّب ولا يُحاور.

هنا يكشف النص عن رؤية فقهية تُقرّ بمبدأ أن "الضرب التأديبي" مباح شرعاً في حالة النشوز، بل وتُسقط عن الزوج أي تبعة قانونية إن أفضى هذا الضرب إلى موت زوجته. هذا النصّ لا يُجرّد المرأة من الحماية الجسدية فحسب، بل يمنح الزوج رخصة قتل غير معلنة.

أولاً: سؤال محرج للضمير الفقهي

إذا كان العبد يُضمن، والحيوان يُضمن، فكيف تُستثنى الزوجة؟ أليست "النفس البشرية" مصونة ومكرّمة كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]؟
 أين موقع هذه الكرامة حين تصبح "المرأة الناشز" بلا ضمان، كأنها متاع يُكسَر ولا يُسأل عنه أحد؟ إنها الحقيقة المؤلمة التي تختزلها هذه الفتوى، والتي تحكي سنين القهر التي عاشتها المرأة المسلمة، حيث أباح الفقه الذكوري للزوج وأعطاه الحق (الشرعي) الذي يصل إلى حد السماح بقتلها تحت ذريعة التأديب.

ثانياً: القياس الشنيع بين الزوجة والأمة

مما جاء في المغني، الجزء الثامن: "وقال الزهري: لا يقتل الزوج بامرأته لأنه ملكها بعقد النكاح، فأشبه الأمة."

هنا يبلغ العقل الفقهي قاعه السحيق. يتم تشبيه الزوجة بالأمة لأنها "مملوكة بعقد النكاح". إن هذا القول لا يعبّر فقط عن انحراف خطير في فهم العلاقة الزوجية، بل يمثّل تجسيداً للمنظور الذكوري السلطوي الذي يرى في المرأة "مملوكة للاستمتاع"، وليست شريكة حرة في الحياة، إنها معضلة حقيقية لا تشوه الدين فحسب بل تقدم الله كمتحيز للذكور عدو للإناث (حاشاه)، وهكذا قام الفقهاء بإعادة إنتاج روح الجاهلية تحت مسمى الفقه الإسلامي.
 لذلك فنحن نقول: إن الزوجة ليست أمة، ولا عبدة، ولا أداة جنسية مؤجّرة. وعقد الزواج في جوهره ميثاق غليظ كما وصفه القرآن، لا عقد تملّك. المقارنة بين الزوجة والأمة تعكس مفهوماً مشوهاً للتملك العاطفي والجسدي، يُشرعن الاستعباد العاطفي والبدني للمرأة.

ثالثاً: الفقه بين القتل المجاني وتكافؤ القصاص

يردّ ابن قدامة على قول الزهري بقوله:

"ولنا عمومات النص، ولأنهما شخصان متكافئان، يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه، فيُقتل به، كالأجنبيين... ولهذا تجب ديتها عليه، ويرثها ورثتها، ولا يرث منها إلا قدر ميراثه...".

هنا يعارض ابن قدامة فكرة إسقاط القصاص عن الزوج، ويؤكد تكافؤ المرأة في القصاص. وهو قول فيه شيء من الإنصاف مقارنةً بالمذهب المالكي والشافعي، لكنه يبقى داخلاً ضمن إشكالية أوسع: لماذا يُشرعن أصلاً التأديب الجسدي؟ ولماذا يتم ربط "النشوز" بالعنف الجسدي؟ بل لماذا يتم اختزال مشكلات الحياة الزوجية إلى "حق التأديب" بدلاً من "حق التفهّم والتفاهم"؟

رابعاً: المنظور التنويري والعقد الاجتماعي الجديد

في ضوء الفكر الحديث، لا يمكن قبول الفقه الذي يعفي من القتل بحجة "التأديب المشروع". والعقد الزوجي لا يمنح أحد الطرفين سلطة قهرية على الآخر، بل يُفترض أن يكون قائماً على المساواة والحرية والكرامة المتبادلة.

لذلك يجب اعتبار أي تشريع يجيز تعنيف المرأة بأي شكل من الأشكال، أو يعفي من قتلها بسبب عقد النكاح، هو تشريع يشرعن للهمجية تحت ستار "الشرع".

العقل التنويري المعتمد على فهم عقلاني للقرآن يرفض كلّ رؤية تجعل من المرأة كائناً تابعاً خاضعاً للتأديب، ويعيد تعريف الزواج كشراكة بين ذوات حرّة، لا بين مالك ومملوك.

خاتمة: صرخة ضد الفقه القاتل

هذه الفتاوى ليست مجرد اجتهادات فقهية من الماضي؛ إنها آثار فكرٍ حيّ يطارد النساء حتى اليوم، في مجتمعات ما تزال تضرب باسم الدين، وتقتل باسم التأديب، وتسجن المرأة داخل قوالب الذل والتبعية.

لا بد من غربلة التراث الفقهي، لا بنسف أصوله، بل بتحريره من عقدة الذكورة المقدسة، وإعادة بناء خطاب شرعي يكرّس كرامة الإنسان، لا جنس الإنسان.

الأكثر قراءة

آراء الكتاب

من كيس أبي هريرة

رشيد إيلال

25-05-2025

آراء الكتاب

كذبة الإجماع على صحيح البخاري!

رشيد إيلال

25-06-2025

آراء الكتاب

تجريح الرواة وتعديلهم بالأحلام والمنامات

رشيد إيلال

03-06-2025

آراء الكتاب

زواج المسلمة بغير المسلم رؤية قرآنية

رشيد إيلال

07-07-2025

اقرأ المزيد

آراء الكتاب

عمل المرأة وشقاء الرجل، عندما يكون التفسير معطلاً للحقوق

د. عامر الحافي

24-08-2025

آراء الكتاب

"العداء الديني" ليس دينياً

د. عامر الحافي

14-05-2025

آراء الكتاب

التأويل وجدلية المحكم والمتشابه

د. عامر الحافي

23-06-2025

آراء الكتاب

فلسفة القوة في ضوء القرآن

د. عامر الحافي

14-07-2025

ارسل بواسطة