تجريح الرواة وتعديلهم بالأحلام والمنامات

03-06-2025

ينبري المحدثون والفقهاء للدفاع عن علم الحديث باعتباره –حسب رأيهم- من أدق العلوم وأخلصها للمنطق، بل يعتبرونه من أشرف العلوم بعد علم العقيدة، ويتحدثون بإسهاب عن التخصص وعن "علم" الحديث، وعن الأئمة الأعلام في الحديث والفقه، ويصفوننا نحن الذين ننتقد منهج (علم الحديث) بالجهل الفظيع، مقروناً بالشتم والإخراج من الملة، كما هي عادتهم في مواجهة مَن يختلف معهم في الرؤية والمنهج والمنطلق، لذلك أردت من خلال هذه المقالة أن أُتحف القراء بنصوص من كتب هؤلاء الأعلام، والتي يدرسها أصحاب التخصص من خريجي الجامعات المسماة (إسلامية أو شرعية)، حتى لا تنخدعوا بكلمة التخصص العلمي التي يعتبرها هؤلاء بمثابة "فيتو" يشهره هؤلاء في وجه كل من أراد أن يبدي وجهة نظره في ما يُسمى بالعلوم الشرعية على وجه العموم.

ورد في كتاب فتح المغيث للسخاوي، وهو من أهم كتب الطبقات عند من يريد دراسة علم الرجال، ما يلي: "ولذا رأى رجل عند موت ابن معين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مجتمعين، فسألهم عن سبب اجتماعهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (جئت لأصلي على هذا الرجل فإنه كان يذب الكذب عن حديثي). ونودي بين نعشه هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رؤي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأعطاني وحباني وزوجني ثلاثمائة حوراء! وأدخلني عليه مرتين!". فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، أقسام الحديث، معرفة الثقات والضعفاء، المتكلمون في الرجال، الصفحة 358 الجزء الرابع.

كما نجد في نفس الجزء من نفس الكتاب ما قاله أبو الطيب الطبري: "كنا في حلقة بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني حنفي فطالب بالدليل في مسألة المصراة، فأورده المدرس على أبي هريرة، فقال الشاب: إنه غير مقبول الرواية. قال القاضي: فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فهرب منها فتبعته دون غيره، فقيل له: تب، فقال: تبت. فغابت الحية ولم يُرَ لها بعد أثر". فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، الصفحة 102.

فتأملوا هذا النموذج للمنامات والخرافات التي تُدرس على أنها الحقيقة التي لا حقيقة بعدها لأهل الاختصاص في الحديث، ليشغبوا علينا بالتخصص والعلم والمعرفة، فهذا نموذج لعلمهم ومعرفتهم، وهذا ما يدرسه طلبة "العلوم الشرعية" المتخصصون في الجامعات الإسلامية. ومن ذلك ما جاء في النكت للزركشي عن الجويني ما يلي: "ومما يجب التنبيه عليه قول إمام الحرمين في النهاية في كتاب الشهادات: كان البخاري يؤلف الصحيح في الروضة بين القبر والمنبر، قال فرويت عن محمد بن محيريز فغلبتني عيناي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال تروي عن ابن محيريز وهو يطعن في أصحابي وكان خارجياً، قال محمد فقلت يا رسول الله لكنه ثقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه ثقة فاروِ عنه، قال فكنت أروي عنه بعد ذلك لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم!!". 

أما القصة التالية، والتي وردت في كثير من كتب الحديث، نذكر منها شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي، ووردت في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وتهذيب الكمال للمزي، وغيرها من الكتب، وهي :

قال: ورأيت في كتاب علي بن المديني قال: قال يحيى ابن سعيد: (رأيت مالك بن أنس في النوم فسألته عن هشام بن عروة؟ فقال: أما ما حدث به وهو عندنا فهو أي كأنه صححه، وما حدث به بعدما خرج من عندنا –فكأنه يوهنه-).

أما في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي، فقد ورد ما يلي: 

(وقال كامل بن طلحة: قلت لحماد: يا أبا سلمة، رويت عن الناس، وتركت عمرو بن عبيد؟ قال إني رأيت كأن الناس يصلون يوم الجمعة إلى القبلة وهو مدبر عنها، فعلمت أنه على بدعة، فتركت الرواية عنه)!

هذا غيض من فيض ونزر يسير مما يعج في هذه الكتب، التي تُعد المرجع الأسمى لما أُطلق عليه (علم الحديث)، لنقف معاً على كم الخرافة التي اعتبرها رجال الدين ديناً وعلماً وجب اتباعه، لا تمحيصاً ولا نقاشاً ناهيك بالانتقاد.

الأكثر قراءة

آراء الكتاب

من كيس أبي هريرة

رشيد إيلال

25-05-2025

آراء الكتاب

كذبة الإجماع على صحيح البخاري!

رشيد إيلال

25-06-2025

آراء الكتاب

تجريح الرواة وتعديلهم بالأحلام والمنامات

رشيد إيلال

03-06-2025

آراء الكتاب

زواج المسلمة بغير المسلم رؤية قرآنية

رشيد إيلال

07-07-2025

اقرأ المزيد

آراء الكتاب

عمل المرأة وشقاء الرجل، عندما يكون التفسير معطلاً للحقوق

د. عامر الحافي

24-08-2025

آراء الكتاب

"العداء الديني" ليس دينياً

د. عامر الحافي

14-05-2025

آراء الكتاب

التأويل وجدلية المحكم والمتشابه

د. عامر الحافي

23-06-2025

آراء الكتاب

فلسفة القوة في ضوء القرآن

د. عامر الحافي

14-07-2025

ارسل بواسطة