الروايات النبوية بين التوصيف السياسي والتنبؤ الغيبي

26-06-2025

في أدبيات الحديث، تندرج مجموعة من الروايات تحت عنوان "علامات النبوة" أو "المعجزات الخبرية"، وتُقدَّم على أنها تنبؤات صدرت عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام قبل وقوعها، مما يعزز في نظر رواتها صدق النبوة ودقة الإخبار بالغيب. غير أن هذا التصنيف –كما يظهر بالنقد والتحليل– لا يخلو من إشكالات دلالية وتاريخية ومنهجية، سواء على مستوى المضمون أو التوقيت أو التوظيف السياسي لتلك الروايات.

أولاً: التوصيف السياسي بصيغة النبوءة

نجد في المرويات ما يبدو بوضوح أنه توصيف لواقع تاريخي تمت صياغته بأثر رجعي ونُسب للنبي عليه الصلاة والسلام، ليبدو وكأنه سبق إخباري. مثال ذلك حديث:

جاء في البخاري: رأيت رسول الله على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول:

"إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين

ويُقصد به الحسن بن علي، والذي تنازل عن الخلافة لمعاوية عام الجماعة. الرواية تصور الواقعة باعتبارها قدراً معلوماً مسبقاً، لا واقعاً سياسياً نتج عن توازنات قوى. هذه الروايات تُحيل الحدث السياسي إلى مصير قدري مفروض، مما يضفي عليه شرعية دينية.

كذلك رواية في البخاري عن الخوارج:

"يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية..".

وهو وصف بالغ الدقة لحركة معارضة ظهرت فعلياً، مما يعني أنه تم صياغة الرواية لاحقاً لتأطير هذه الفئة كحركة خارجة عن جماعة المسلمين.

ثانياً: التوظيف المذهبي والشرعنة السلطوية

روايات أخرى تتعلق بشكل الحكم الرواية، كالتي صححها الشيخ الألباني:

"خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء".

هذه الرواية تذكر كلمة الخلافة وتذكر أن مدتها ثلاثون، ثم تذكر الملك، وكأن هذا قدر من الله تعالى واجب التسليم ولا انفكاك منه. أي هذه رواية تُسهم في تثبيت شرعية نموذج الحكم القائم أو تبرير الانقلابات السياسية. هذه الروايات تلتقي مع أهداف فئات معينة في شرعنة الوقائع السياسية والأنظمة القائمة، سواء بإدخالها ضمن "علامات الساعة" أو "الفتن والملاحم".

ثالثاً: الروايات التي لم تتحقق وتُهدد بمفعول عكسي

بالمقابل، ثمة روايات تنسب للنبي تنبؤات لم تقع، وهي أخطر ما يكون على مفهوم النبوة ذاته؛ إذ إنها تُستخدم كأداة للطعن والتكذيب، من ذلك:

- رواية في صحيح مسلم:

"أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة، فقال: إن عمر هذا، لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".


حيث أشار إلى الغلام، ولكنه عاش ومات دون أن تقوم الساعة.

- رواية أخرى رواها الشيخان:

"إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده"،
 والحال أن كسرى هلك فلم يكن كسرى بعده، ولكن هلك قيصر فجاء بعده عشرات من القياصرة. 

مثل هذه الروايات تفتح باباً واسعاً للطعن في صدق النبوة، والشراح للروايات كالعادة يقومون بتأويل الرواية بشكل تعسفي؛ فقط لأنه حكم عليها بالصحة السندية الظاهرة.

هذا الطابع التنبئي الموجود في كثير من هذه الروايات يتقاطع بشكل لافت مع نمط النبوءات التوراتية، وهذا النمط يشي بتأثر الرواية الإسلامية –في طور التدوين- بالسرديات الكتابية السابقة، وربما حتى بإعادة إنتاجها ضمن قالب إسلامي يناسب السياق السياسي والثقافي الجديد.

 نحو قراءة نقدية مسؤولة

تُبرز هذه المرويات –حين تخضع للتحليل التاريخي واللساني– أنها ليست من نتاج عصر النبوة، بل كثير منها يمثل إعادة كتابة للتاريخ بلسان النبوة، لأغراض سياسية أو مذهبية أو سلطوية.. إلخ. والمفارقة أن ما يُراد به إثبات النبوة قد يتحول إلى وسيلة لنقضها حين تُفند التواريخ أو يكشف التناقض.

لذلك، فإن الدعوة لإعادة فحص هذه الأحاديث –ضمن معيار قرآني وعقلي ولساني صارم- ليست تهجماً على الدين، بل دفاع عن نقاء مقام النبوة من الصناعة البشرية

الأكثر قراءة

آراء الكتاب

الاختلاف في الوحي ليس من الله

غسان النبهان

19-09-2024

آراء الكتاب

حاكمية الإنسان وحاكمية الله

غسان النبهان

01-09-2024

آراء الكتاب

الفِرقة الناجية مَن تعمل صالحاً

غسان النبهان

14-09-2024

آراء الكتاب

التعددية وضوابطها في القرآن

غسان النبهان

01-09-2024

اقرأ المزيد

آراء الكتاب

من كيس أبي هريرة

رشيد إيلال

25-05-2025

آراء الكتاب

تجريح الرواة وتعديلهم بالأحلام والمنامات

رشيد إيلال

03-06-2025

آراء الكتاب

كذبة الإجماع على صحيح البخاري!

رشيد إيلال

25-06-2025

آراء الكتاب

زواج المسلمة بغير المسلم رؤية قرآنية

رشيد إيلال

07-07-2025

ارسل بواسطة