ملك اليمين:

نحو مقاربة قرآنية تتماهى مع الواقع

مركز حوار الثقافات

02-02-2025

يثير مفهوم ملك اليمين، الوارد في أكثر من موضع في القرآن الكريم (15 موضعاً)، حالة جدلية واسعة، في ظل التفسير الأصولي الحَرفي للنص، بما يتفق والهوى الذكوري؛ إذ تُجمع كتب التفسير على أنّ المقصود بـ"ملك اليمن"، النساء مِن الرقيق (السبايا)؛ إذ يحقّ لمالكهنّ أن يطأهنّ مِن غير عقد زواج، ولا شهود، ولا مهر، فهنّ لسن أزواجاً، فإذا جامعهن سُمّيْنَ سراري.

ويستشهد المفسرون بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٭ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: 5-6]. 

التفسير التقليدي

يقول ابن كثير في تفسيره: "والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون في ما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط، ولا يقربون سوى أزواجهم اللاتي أحل الله لهم، وما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحل الله فلا لوم عليه ولا حرج". 

أما ابن جرير فيقول في تفسيره: "(أو ما ملكت أيمانهم) يعني بذلك: إماءهم. (فإنهم غير ملومين)، يقول: فإن من لم يحفظ فرجه عن زوجه، وملك يمينه، وحفظه عن غيره من الخلق، فإنه غير موبخ على ذلك، ولا مذموم". 

ولم تخالف معظم كتب التفسير هذا المعنى.

تاريخية المفهوم

ارتبط مفهوم ملك اليمن تاريخياً بالرِّق، وتموضع المفهوم، نظراً للظرف الزمني ضمن معطيات الاجتماع الإنساني في سياق تاريخي قروسيطي، تشكلت من خلاله عدة أدوار وأطر علائقية، لم تنفصل يوماً عن المسار الاجتماعي للظاهرة، التي ألقت بظلالها على مناحي الحياة.

وحسب وفاء الدريسي، في بحثها المعنون بـ"الجواري والغلمان في الثقافة الإسلامية، مقاربة جندرية"، فقد تشكّلت طبقة من الجواري نشأت بينهن علاقة يسودها التعاون في مواجهة وضعية اجتماعية صعبة، فقد نجحن في بعض الحالات في الترفيه عن أنفسهن، ومساعدة المسنات منهن، وبخاصّة مع غياب دوافع الغيرة والمنافسة؛ ولم يخلُ الأمر في ظل الظروف الاجتماعية من تجاوزات أخلاقية، فمع حرص السادة على ضبط العلاقات بين الجواري والغلمان، والحد من الممارسات الشاذة، زوّج بعضهم جاريته لواحد من عبيده، وتحدثت مصادر تراثية عمّن زوج عبده على أنّه متى باعه فأمر الزوجة بيد السيد، كما بقي جسد الأمة المتزوجة من عبد، في بعض الحالات، ملكاً لسيدها، الذي أباح لنفسه معاشرتها، تقول إحداهن: "لي صديق ولي زوج ولي مولى ينكحني"(1). 

وربما كانت للأمر علاقة بالسياق التاريخي الذي واكب تطور الاجتماع، وكذا ما كان متعارفاً عليه آنذاك، حيث كانت التعددية في العلاقات مقبولة اجتماعياً بالنسبة للرجال، لكنّ الأمر لم يخلُ من الفوضى، وصولاً إلى حد المشاعية الجنسية، في ما يتعلق بملك اليمين، الأمر الذي دفع تجاه حظر الرِّق، بالتزامن مع التطور الاجتماعي للإنسان، وتجليات العقد الاجتماعي، الذي منع الرق بقوة القانون، ومنح الأسرى حقوقاً نظرية في أزمنة الحرب.

مصداق النصوص

حسب محمد شحرور، فقد تجسد مفهوم ملك اليمين تراثياً في الرق، لكنّ هذا المصطلح أصبح في العصر الحديث دالاً موجوداً في التنزيل، ليس له مدلول أو مصداق في عالم الواقع، أي نسخ تاريخياً بمنع الرق. لكنّ شحرور يطرح إشكالية أخرى، وهي كيفية التعامل مع النصوص التي لم يعد لها مصداق في الواقع، بعد أن نُسخت تاريخياً، مؤكداً أنّ الهدف الجنسي من إباحة العلاقة مع ملك اليمن، يختلف عن الزواج بوصفه حالة اجتماعية بين رجل وامرأة، فغاية الزواج الجنس والنسب والإنجاب وتكوين أسرة، وهي حالة تحكمها أحكام الصداق والطلاق والعدة والإرث، أمّا وطء ملك اليمين، فيتناسب مع حالات أخرى كزواج المسيار (ملك يمين معاصر)، هدفه الإحصان في حالات بعينها كالسفر الطويل، وبرضا الطرفين(2). 

هنا، يحاول شحرور موضعة المفهوم ضمن شروط الاجتماع والقانون، بدلاً من نسخه تاريخياً، وذلك بإحالته إلى نموذج آخر للعلاقات الجنسية، في حالات ضيقة وظروف خاصّة، وفق تصوره لحركة النص في التاريخ، وقدرته على الإفصاح باستمرار عن معانٍ جديدة.

وربما كان اجتزاء النص من السياق القرآني سبباً في هذا الفهم، ذلك أنّ النص السابق لا ينبغي أن يُفهم إلا في سياق قوله سبحانه في سورة البقرة: ﴿وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ﴾ [البقرة: 224]؛ إذ إنّ مفهوم "الأيمان" هنا يجب أن يجري ضبطه بشكل معياري، وفقاً للسياق القرآني، الذي استخدمه على مدار التنزيل بمعنى العهد أو الميثاق. ونفس الأمر في الآية الثانية من سورة التحريم، في قوله تعالى: ﴿قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ﴾ [التحريم: 2].. 

وبالتالي فالمعنى لم يتغير على مدار النص القرآني.

وختاماً، يمكن القول إنّ النص استخدم مصطلح "ملك اليمين" في إشارة إلى من يرتبط بهن الرجال بميثاق (عقد نكاح)؛ وبالتالي لا يوجد أي مجال للتسرية أو الفوضى الجنسية، بكل ما تحمله من دلالات وسلوكيات تنفر منها الفطرة، كإجبار الأسيرات على ممارسة الجنس، بل يذهب النص صراحة إلى ضرورة وجود عقد مكتوب؛ إذ يقول تعالى في سورة النور: ﴿وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ...﴾ [النور: 33]. 

وعلى الرغم من صراحة النص، فقد حاول المفسرون قصر المكاتبة على الشؤون المالية بين الرجل وعبده؛ بل واختلفوا في ذلك؛ هل هو على وجه الفرض، أم هو على وجه الندب؟ فقال بعضهم: فُرض على الرجل أن يكاتب عبده إذا سأله العبد ذلك. وقال آخرون: ذلك غير واجب على السيد، وإنما قوله: "فَكَاتِبُوهُمۡ" ندب من الله ليس إلّا، على الرغم من أنّ النصف الأول من الآية يتحدث صراحة عن النكاح: ﴿وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ﴾ [النور: 33]. 

وهو ما يتسق أيضاً مع صريح قوله عزَّ من قائل في سورة النساء: ﴿وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلاً أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ...﴾ [النساء: 25]. فنكاح ملك اليمن هنا لم يرد بمعنى التسرية إطلاقاً، وإنّما جاء المفهوم ضمن ممكنات النكاح، والنكاح حسب المرجعيات التفسيرية يلزمه "عقد نكاح"، ينقل العلاقة من الحرام إلى فضاء الحلال المشروع.

 

الهوامش

1 - وفاء الدريسي: الجواري والغلمان في الثقافة الإسلامية، مقاربة جندرية، مؤمنون بلا حدود، بيروت، 2016، ص159-164.

2 - محمد شحرور: نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، فقه المرأة، الأهالي للنشر، دمشق، 2000، ص308-309.

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

معركة ذي قار: مقدمات الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس

30-01-2025

اتجاهات ثقافية

الحور العين: اختلاف الحقيقة القرآنية عن مِخيال المفسرين والرواة

01-09-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

دليل التدين العقلي: عقلنة الدين لأجل الإصلاح الجذري

20-11-2024

قراءات عامة

خليد بنعكراش: القواعد "الست" في فهم وتأويل القرآن

01-09-2024

اقرأ أيضاً

اتجاهات ثقافية

مشروعات إصلاحية: ما أبرز إشكاليات تجديد الخطاب الديني؟

01-09-2024

ارسل بواسطة