محاولاً تنقية الدين الإسلامي من صورته التقليدية التراثية التاريخية، نحو إسلام أصيل مرجعه القرآن الكريم من أجل العدالة والحرية، تلك الصورة التي كانت على مرّ العصور ليس لها وجود دامغ في الوعي الجمعي العربي الإسلامي، يقدم الدكتور محمد شحرور، الباحث والمفكر السوري، في كتابه "الإسلام.. الأصل والصورة"، الصادرة طبعته الأولى عام 2014، رؤيتَه في عديد من الموضوعات ذات الصلة بمشروعه الفكري.
قناعات أساسية
يبدأ شحرور كتابه بثلاث قناعات أساسية يعدُّها مرتكزاتٍ لتفكيره وتحليله واستنتاجاته التالية، ويصفها بأمور "غير قابلة للنقاش عنده"، وهي:
أولاً، الإيمان بالله عنده تسليم وهو مسلِّم بوجود الله واليوم الآخر، والمسلَّمة أمر لا يمكن البرهان عليه علمياً، كما لا يمكن دحضه علمياً؛ وبحسب شحرور، الإيمان خيار يختاره الشخص بنفسه ولنفسه.
ثانياً، الإيمان بأن محمداً عبد الله ورسوله، وبأن الكتاب الذي نُزِّل عليه وحيٌ مُوحَى، وهو أيضاً إيمان تصديق كإيمان التسليم.
ثالثاً، الكتاب الموحَى لا يُعتبر دليلاً علمياً، بل هو دليل إيماني، وعلى أتباع الرسالة المحمَّدية تقديم الدليل العلمي على صدقيّته من خارجه.
ويقول شحرور إن الثقافة العربية الإسلامية الحالية ثقافة تقليدية تراثية تعيد إنتاج نفسها؛ لأنها تقوم على القياس، ولا تقوم على الإبداع، فنحن نحتاج إلى إبداع وليس إلى قياس، حسب رأيه. ويضيف في كتابه أن الحرية حتى هذه الساعة، وعلى مر عصور التاريخ، ليس لها وجود في الوعي الجمعي العربي والإسلامي، العدالة فقط هي الموجودة، وإذا قالوا عن إنسان إنه عادل منصف أعجَبَنا، حتى لو لم نسأل عن القيم الأخرى فيه.
ويرى شحرور أن الناس هم "عباد الله" وليسوا "عبيداً في كتاب الله تعالى"، عبادٌ يطيعون ويعصون بملء إرادتهم واختيارهم، فالعبودية غير مطلوبة أصلاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يطلب من الناس، حسب رأيه، أن يكونوا عبيداً له في الحياة الدنيا، بل خلقهم ليكونوا عباداً، فيهم مَن يطيع ومَن يعصي، وأن مفهوم الحرية في كتاب الله سبق مفهوم العدالة؛ لأن العباد الأحرار لا حاجة إلى تذكيرهم بالعدالة، لأنهم يستطيعون أن يقيموها بأنفسهم باعتبارهم أحراراً، حسب قوله.
الحركات الإسلامية
يقول شحرور إن أول ما تحتاج إليه الحركات الإسلامية هو "إعادة النظر في مرجعياتها، وفي أدلة الأحكام الشرعية وآليتها"، منطلقة من القاعدة التي تقول "تتغير الأحكام بتغير الأزمان"، لتستطيع بالتالي أن تبني قواعد معاصرة تبني على أساسها سياساتها وسلوكها ومواقفها.
وفي شرحه يوضح أن إقامة رسول الله عليه الصلاة والسلام للدولة "كانت من مقام النبوة وليس مقام الرسالة"، واعتقدت الحركات الإسلامية أن عملية بناء الدولة بخطواتها وترتيباتها وعلاقتها بالناس وعلاقة الناس بها أمرٌ رسولي لا يمكن ولا تجوز مخالفته، ولذلك كان سؤال شحرور: "متى ستقتنع الحركات الإسلامية بأن المجتمع المدني الذي يضمن حرية الرأي والرأي الآخر، هو خير مجتمع تستطيع الثقافة الإسلامية في مُناخه أن تعبر عن نفسها؟".
ويشرح شحرور معنى "الأصولية"، عبر صفحات كتابه، فهي بمعناها اللغوي العام "الرجوع إلى الأصول"، والأصول عند البعض، حسب قوله، هي الكتاب الحكيم والسُّنة النبوية، وفي ضوء هذا المفهوم رغم اختلافاته، فإن معظم المسلمين المؤمنين أصوليون، وأنا منهم، لا يمارسون العنف ولا يؤمنون بالإرهاب.
ويضيف أن المشكلة قد نشأت حين أُطلقت على الحركات الإسلامية السياسية اسم "الحركات الأصولية"، فعندما نتكلم عن العنف والإرهاب نعني هذه الحركات السياسية المسلحة، وليس الإسلام الشعائري أو التشريعي أو الأخلاقي، وإن هذه الحركات لن تتوقف ما دام الفقر والبطالة والجهل والامتيازات التي تُمنح بلا حساب لطبقة دون أخرى، وإن العقل الكاشف الواعي هو وحده ضمانة الوقوف في وجه العنف والإرهاب.
مشروع ميثاق
يطرح شحرور عبر مؤلَّفه مشروع ميثاق للعمل الإسلامي في عدة نقاط:
- التسبيح، وهو شكل الوجود وكل الكائنات تَنزَّه الله عن أن يكون مثلها.
- الخلق كلهم "عيال الله" مؤمنهم وكافرهم، حسب قوله.
- الحياة هي هبة من الله تعالى للناس جميعاً، فلا تُؤخذ إلا بحقها.
- الحرية هي الشكل الوحيد الذي تتجسَّد فيه عبادية الإنسان لله تعالى.
- حق الإنسان في اكتساب المعرفة وفي انتخاب ممثلين عنه للتشريع.
- في مجتمع الحرية والعدل نجد أن كلمة الله هي العليا، وفي مجتمع القمع والظلم نجد أن كلمة الله هي السُّفلى.
- الحرية والعدل قيمٌ مطلقة يمارسها الإنسان في مجتمعه بشكل نسبي.
- الديمقراطية هي أفضل تقنية نسبية توصل إليها إنسان لتحقيق الحرية والعدل.
- الإسلام بشكله النقي النظري موجود في التنزيل الحكيم فقط، حسب قوله، والتطبيق هو نشاط إنساني بحت يقبل الصواب والخطأ.
- التطور والتغيُّر سُنَّة من سُنن الله تعالى في الكون.
- الدين الإسلامي معتقدٌ إنساني لا يخضع للزمان والمكان، أما الدولة فكِيان مؤسساتي تحكمه الحدود الجغرافية والتاريخية.
- الناس أحرار في التعبير عن آرائهم بجميع الوسائل السلمية.
- لا تجوز أبداً مقاتلة الناس على أساس إدخالهم بالقوة في المِلَّة المحمَّدية.
- لكل الناس الحق في محاكمة عادلة.
- المرأة صنو الرجل في الخلق والمسؤولية والعمل والكسب والقوامة والإرث.
- حرية الضمير مكفولة لكل إنسان.
عن القوامة
"يلاحظ المتأمل في كتاب الله أنه سبحانه لا يفرّق بين الذكر والأنثى؛ فالمساواة بينهما واضحة في أكثر من آية، وفي أكثر من مجال، واقتران المؤمنين بالمؤمنات والمسلمين بالمسلمات في التنزيل الحكيم في أكثر من موضع يؤكد هذه المساواة التي نذهب إليها"، حسب شحرور، مضيفاً أن علماء اللسان العربي يقولون إن الخطاب الإلهي الموجَّه إلى الذين آمنوا يشمل الذكور والإناث، رغم صيغة التذكير الغالبة عليه.
وفي نظره، فإن أساس قوانين الإرث وحدوده، كما نص عليها سبحانه وتعالى في كتابه المبين، هو الأنثى، وإن الرحم هو الأصل في توزيع الإرث، ويقول إن المرأة في نهايات القرن العشرين أصبحت لها على نطاق العالم مِهنٌ ومناصب، في الطب والفضاء والجامعات والعلوم، مما أثبت أن المرأة، إضافة إلى أنها ليست دون الرجل في الخلق، ليست دون الرجل أيضاً في القدرات العقلية، فكان لا بد من إعادة قراءة آيات الإرث والقوامة، حسب رأيه.
ويخلص شحرور إلى أنه لا توجد أفضلية بالخلق والقوامة على أساس "الذكورة والأنوثة"، وإن الأفضلية بـ"حُسن الإدارة والحكمة ودرجة الثقافة والوعي التي تتفاوت بين الناس، فمن الرجال مَن هو أفضل من النساء، والعكس صحيح"، ويتابع بأن القوامة "لا تنحصر بين الزوج والزوجة في حدود الأسرة كما حصرها الفقهاء والمفسرون، بل تمتد لتشمل العمل والتجارة والصناعة والإدارة والتربية والتعليم والطب والصيدلة والرياضة، بل حتى في مجال الحُكم والمناصب العليا".
وختاماً، يأتي شحرور إلى أهم مجال تتجسَّد فيه القوامة، وهو الأسرة حسب قوله، فهي التي تقوم على زوجين، رجل وامرأة، تنظم علاقاتهما الأسرية أمور هي المودة والرحمة والتعاون على البِر والتقوى؛ وفي شرحه يوضح أن الأسرة تحتاج إلى قَيِّم يُدير أمورها، ويَسُوس أفرادها ويقود مركبها، وإن مصلحة الأسرة والمجتمع تكمن في أن تكون القيادة في يد صاحب الفضل، رجلاً كان أم امرأة، أو بيد الاثنين معاً يتشاوران في كل الأمور حال التكافؤ في الثقافة وحُسن الإدارة، حسب قوله.