تُمثل قضية "الناسخ والمنسوخ"، من المنظور التراثي، أحد المرتكزات في دراسات القرآن، والتي تعتمد على مبدأ رئيسي بأن هناك آيات ينسخ بعضها بعضاً، بما يعطل بعض الأحكام الشرعية في القرآن، وينتج أحكاماً جديدة ومغايرة؛ ولكن تُعد هذه القضية إشكالية، ليس فقط على مستوى التباين في الأنواع والآراء الفقهية المختلفة فيها، وإنما بروز اتجاهات فكرية دينية ترفض هذه القاعدة من الأساس.
ويقدم بعض المشتغلين بحقل دراسات الفكر الديني والتيار "القرآني"، انتقادات منهجية على قضية "الناسخ والمنسوخ" عند دراسة القرآن الكريم، باعتبارها اجتهادات بشرية، لا تستند لنص صريح في نصوص الكتاب.
إطار تأسيسي
بناءً على تطورات الفكر الديني في الإسلام، وتأثيراتها على مفهوم "النسخ"، والأسس المعتبرة عند المذاهب، والتي انعكست بالتبعية على المدونات الفقهية، فإن ثمة منطلقات لهذا المفهوم، تُعد بمثابة إطار حاكم له، وهي:
1 - تأصيل مفاهيمي للمصطلح وأدلته: لجأت بعض الكتابات إلى وضع إطار مفاهيمي لهذا المصطلح، استناداً إلى قول الله تعالى: ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ...﴾ [البقرة: 106]، حيث تُعد هذه الآية دليلاً رئيسياً لأصحاب الرأي القائل بـ"الناسخ والمنسوخ".
وتُحدد بعض الآراء المقصود بمصطلح النسخ، باعتباره "رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر، فالحكم المرفوع يسمى المنسوخ، والدليل الرافع يسمى الناسخ، ويسمى الرفع النسخ".
ويذكر الشيخ محمد جميل زينو أنه "يطلق الناسخ على الآية فيقال: هذه الآية ناسخة لآية كذا، ويُطلق على الحكم النّاسخ لحكم آخر"؛ قبل أن يُعدد أهداف النسخ، ومنها مراعاة المصالح، في ضوء تطور التشريع للتيسير على المجتمعات، واختبار المكلف بالامتثال.
2 - عدم إنكار الناسخ والمنسوخ: تُقر بعض الآراء بعدم جواز رفض أو إنكار "الناسخ والمنسوخ"، باعتبارها مسألة قائمة في مختلف الأديان السماوية، ويُقر بها كل المذاهب في الإسلام عبر التاريخ؛ إذ لا يوجد مذهب معتبر ينكر النسخ، في حين وصف أصحاب هذا الرأي المعارضين لهذه القاعدة الفقهية بـ"الشذوذ الفكري".
ويدلل مؤيدو عدم جواز إنكار الناسخ والمنسوخ على صحة موقفهم بما جاء في قول الله تعالى: ﴿ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ [الأنفال: 66]، عقب قوله تعالى في السورة ذاتها: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ﴾ [الأنفال: 65].
وتميل بعض التفسيرات المعاصرة، للآيتين السابقتين إلى أن الله سبحانه وتعالى خفف من الحكم في الآية [66] "مائة صابرة" مقابل مائتين، بعدما كان "عشرون صابرون" مقابل مائتين في الآية [65]، وهي قضية تتعلق بتغيير الأحكام يختص بها الله وحده، والعقل البشري لا يمكنه إدراك الحكمة في تشريعات الله.
3 - النسخ في فروع الأحكام فقط: تتفق بعض الآراء الفقهية حيال أن الناسخ والمنسوخ يكون قاصراً على الأحكام الشرعية في القرآن الكريم، دون أن تتخطى ذلك إلى الآيات الكونية والمعجزات التي اختص الله تعالى بها الرسل؛ إذ يصعب سحب الله تعالى معجزة الرسول عيسى أو إبطالها، وهكذا الحال مع الرسول موسى.
واستناداً إلى ذلك، فإن بعض الآراء الفقهية تعتبر أن النسخ يقتصر فقط على "فروع الأحكام" في العبادات والمعاملات، دون امتداد ذلك إلى الأصول، وتحديداً على مستوى العقيدة، باعتبارها حقائق راسخة لا مجال لنسخها، إضافة إلى ثبات جوهر الأخلاق والمعاملات.
ولا ينطبق النسخ أيضاً على ما جاء من أخبار في القصص القرآني؛ إذ إنها حقائق تاريخية ذكرها الله تعالى في القرآن، ولا يجوز نسخها أو إبطالها.
4 - تعدد أنواع النسخ في الإسلام: تتجه بعض الكتابات المتعلقة بدراسات القرآن إلى توسيع دائرة الناسخ والمنسوخ إلى خارج النص القرآني، بما يعني عدم اقتصار النسخ على أن تَنسخ آيةٌ أخرى، وإنما قد ينسخ بعضَ الآيات الأحاديثُ المروية عن الرسول محمد (ص)، خاصة مع اتجاه بعض الآراء إلى تعريف مصطلح النسخ على أنه: "رفع حكم دليل شرعي، أو لفظه، بدليل من الكتاب أو السنة"، كما يقول محمد صالح المنجد.
وينقسم النسخ في الإسلام إلى ثلاثة أنواع: أولاً، نسخ القرآن بالقرآن، مثل قوله تعالى: ﴿يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ...﴾ [البقرة: 219]؛ وتم نسخها، حسب بعض الآراء، بآية: ﴿إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ...﴾ [المائدة: 90]؛ وثانياً، نسخ السنة بالقرآن، مثل قوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ﴾ [البقرة: 144]، وكان ثابتاً بالسنة التوجه للمسجد الأقصى؛ وثالثاً: نسخ السنة بالسنة، كما ذكر أبو زكريا محيي الدين النووي: أن الرسول (ص)، قال: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا".
وهناك نوع رابع، وهو نسخ القرآن بالسنة، وهي مسألة شهدت اختلافات كبيرة بين الفقهاء؛ إذ أجاز بعضهم نسخ القرآن بالسنة المتواترة، مثلما ذهب الإمام مالك والحنفية، فيما عارض ذلك الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل؛ أما بالنسبة لسُنَّة الآحاد، فرفض بعض الآراء الفقهية ذلك لأن "القرآن قطعي الثبوت، فيما أحاديث الآحاد ظنية الثبوت"؛ وهناك من أجاز ذلك بحجة أن "القرآن ظني الدلالة"، ولكن يواجه هذا الرأي اعتراضات كثيرة، نظراً لأن "سنة الآحاد ظنية الدلالة والثبوت"، في حين أن القرآن قطعي الثبوت.
5 – الاختلاف حول الآيات المنسوخة: في ظل تعدد الآراء الفقهية والمذاهب، يبقى أن تحديد الآيات المنسوخة في القرآن الكريم قضية جدلية وإشكالية، بنفس قدر وقوع الناسخ والمنسوخ بالأساس، والاستدلال به في الأحكام الشرعية؛ إذ تختلف الآيات المنسوخة من مذهب لآخر، ومن فترة زمنية لأخرى في التاريخ الإسلامي.
وتذهب بعض التفسيرات إلى أن الناسخ والمنسوخ في آيات القرآن الكريم متروكة لاجتهادات العلماء، بل امتد الأمر إلى الاختلاف في الآراء حول صحة نسخ بعض الآيات من عدمها.
وعلى سبيل المثال، حصر جلال الدين السيوطي الآيات المنسوخة في القرآن في حدود عشرين آية فقط، في حين تشير بعض الكتابات إلى اقتراب عدد الآيات المنسوخة من حاجز 300 آية.
رؤى مغايرة
تركز بعض الآراء من داخل التيار "القرآني" أو المنشغلين بدراسات القرآن، على إبراز حدود رفضهم للمعنى الشائع في مسألة الناسخ والمنسوخ؛ ولكن بالتركيز على النوع الأول، المتمثل في "نسخ القرآن للقرآن"، خاصة مع اتخاذ مواقف رافضة أو متحفظة في بعض الأحيان، من كتب الأحاديث المنسوبة للرسول محمد (ص)، على حد تعبيرهم، إضافة إلى مواقفهم من كتب الفقه التي تستند إلى التراث، ويمكن تحديد أبرز الرؤى حيال هذه القضية الإشكالية، كالتالي:
1 - النسخ بمعنى الثبات في القرآن: تميل بعض الآراء داخل التيار "القرآني" إلى أن معنى النسخ في القرآن الكريم، الإثبات، وليس الحذف والإبطال، كما تقول بعض الآراء في المذاهب الفقهية التراثية، استناداً إلى تفسير آية ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ...﴾ [البقرة: 106]؛ إذ إن القول بالنسخ يعني نسخة مكتوبة دون تغيير، حتى إنه معروف في كتب التراث عن كتابة المصحف بالقول: "نسخ المصحف"، بما يعني نقله كما هو جاء من الله تعالى.
ويشير أصحاب هذا الرأي في "التيار القرآني" إلى أن مفهوم النسخ الذي استخدمه الفقهاء باعتباره إلغاء بعض الأحكام الشرعية، يخالف معنى النسخ في اللغة، والأهم في القرآن الكريم، استناداً إلى تفسير الآية السابقة في سياقها الذي جاءت فيه، وهو أن: "أهل الكتاب في المدينة، طالبوا بمعجزة حسية للنبي (ص)، كما جاء مع الرسل من قبله من معجزات حسية، وسألوا النبي أن يكون له معجزة حسية، ولكن الله تعالى أمر بالاكتفاء بالقرآن فقط، كما أن كلمة آية في قوله ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ﴾، جاءت بمعنى القرآن الكريم نفسه، الذي هو جزء من أم الكتاب، الذي نزلت منه كل الكتب السماوية الأخرى".
وبالتالي، فإن القرآن الكريم جاء متشابهاً في الرسالة مع الكتب السماوية الأخرى التي نزلت من أم الكتاب، ولكن مع اختلافات في بعض التشريعات فقط.
2 - غياب النسخ في الرسالة الواحدة: تُقدم بعض الأطروحات الفكرية حيال مسألة الناسخ والمنسوخ رؤية مختلفة عن الرؤى السائدة، سواء بعدم جواز إنكار النسخ، أو رفضه بالكلية؛ إذ يُقر محمد شحرور بوجود الناسخ والمنسوخ في آيات القرآن، ولكن حدث بين الرسالات السماوية السابقة على رسالة الرسول محمد (ص)، لأنها الرسالة الخاتمة وتعتمد على آيات مغلقة لا اجتهاد فيها، وعددها 19 آية، وفقاً لدراسته للنص القرآني.
ويُقدم شحرور تفسيره لقول الله تعالى: ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ﴾، باعتبارها تشير إلى أن النسخ بين الرسالات الإلهية؛ "إذ جاءت بعض المحرّمات في شريعة موسى، ثم حلّل المسيح عيسى بعده بعضها بدلالة قوله تعالى: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: 50]؛ وجاءت رسالة الرسول محمد، لتنسخ بعض الأحكام التي جاءت في رسالتي موسى وعيسى، وإضافة أحكام أخرى مثل الإرث".
وهنا، فإن النسخ داخل الشريعة الواحدة، في رسالة الرسول محمد (ص)، على سبيل المثال، غير موجود أو وارد؛ إذ إن "النسخ بالمعنى والمفهوم الشائع حالياً، ويصل بعدد الآيات المنسوخة إلى عدة مئات، مرفوض تمام، لأن القرآن كتاب كامل، لا يمكن أن تحتوي صفحاته نصوصاً ينسخ بعضها بعضاً، لأن ذلك يصبح ضرباً من العبث".
3 - النسخ لم يظهر في المجتمع الأول: بالإشارة سابقاً إلى تباين الآراء الفقهية حول عدد الآيات المنسوخة في القرآن، وتزايد عددها عبر قرون من الزمان في التاريخ الإسلامي، فإن هذه الجزئية كانت سبباً رئيسياً في اعتراض بعض الاتجاهات داخل التيار "القرآني" والمنشغلين بقضايا الفكر الديني، على مسألة الناسخ والمنسوخ، خاصة في ظل عدم وجود ضوابط لتحديد هذه القضية.
ويتصل بهذه المعضلة، الطرح الذي قدمه سامر إسلامبولي، الذي يتطرق إلى أن التشريع القرآني يتصف بالكمال والاستمرار، فإذا حدث نسخ لأحد الأحكام فإن ذلك يتنافى مع ديمومة النص القرآني، وربما يقدم تفسيراً على مسألة انتشار الناسخ والمنسوخ، وتزايد أعداد الآيات المنسوخة في مراحل لاحقة على المجتمع الأول للمسلمين، من خلال الإشارة إلى أن "النسخ لو حصل خلال المجتمع الأول في الإسلام، لكان يقتضي أن يستمر في كل مجتمع بعد المجتمع الأول، لأن لكل مجتمع مشاكله وظروفه التي تحتاج إلى مرحلية في العلاج حسب معطياته الثقافية والموضوعية، وكون هذا الأمر لم يستمر أو يحصل في المجتمعات اللاحقة مما يؤكد على انتفاء حصوله في المجتمع الأول كون النص التشريعي ابتداءً موجهاً إلى الإنسانية والعالمية وليس إلى العرب خاصة".
4 - لا يجوز نسخ القرآن بالأحاديث: تعترض بعض الآراء الرافضة لسطوة بعض من التيار التراثي، أو السلفية، على القول بإمكانية نسخ القرآن بالسنة، تأسيساً على أفكارهم بأن "القرآن أصل في الدين، وكذلك السنة أصل، ويجعلون السنة مساوية للقرآن الكريم نفسه".
وتؤسس الفكرة السابقة إلى "جعل الأحاديث مهيمنة على القرآن وحاكمة عليه ولاغية له، ولكن العكس هو الصحيح، خاصة أن الأحاديث ظنية الثبوت والدلالة، في حين أن القرآن قطعي الثبوت والدلالة".
5 - توظيف النسخ لأغراض معينة: إن لجوء بعض الآراء الفقهية إلى توظيف مسألة الناسخ والمنسوخ لصالح قضايا معينة، خاصة مع عدم وجود إجماع على الآيات الناسخة والمنسوخة، ربما يسمح بإمكانية توظيف بعض الآيات القرآنية على وقع هذه القاعدة، لصالح أغراض محددة، مثل ما يتردد عن آية "السيف".
ورغم إقرار بعض الكتابات داخل "التيار القرآني" عدم وجود آية يمكن توصيفها بذلك، أو جاءت كلمة السيف في القرآن بالأساس، فإن الإشارة هنا داخل بعض التيارات المتمسكة بالتراث للآية الخامسة في سورة التوبة، في قوله سبحانه: ﴿فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [التوبة: 5]، والتي يزعمون أنها نسخت آيات أخرى مثل قوله تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾ [النحل: 125]؛ وقوله عزَّ وجل: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256].
وفي نظر "التيار القرآني" فإنه تم توظيف الناسخ والمنسوخ في الموضع السابق لصالح تبرير العنف والحرب على المخالفين.
وختاماً، تشير قضية الناسخ والمنسوخ إلى حالة من الالتباس الشديد في المفهوم والمدلولات والأنواع، وبالتالي الأحكام المترتبة عليها، في ظل رفض التيار "القرآني" والمشتغلين في حقل الدراسات القرآنية لهذه المسألة، خاصة أنها صادرة عن كتب الأحاديث المنسوبة للرسول محمد (ص)، على حد تعبيرهم، إضافة إلى كتب المذاهب الفقهية المختلفة، وهؤلاء يتخذون موقفاً رافضاً للمصدرين باعتبارهما كتباً تراثية، تخلّف حالة من الجمود في الفقه، وتشكّل أزمة عميقة في العقل العربي على مدار قرون سابقة، بما يحتاج إلى وقف قاعدة "الناسخ والمنسوخ".