تحرير الإسلام:

زمن التحولات ونزع القداسة عن التراث

مركز حوار الثقافات

27-04-2025

في كتابه "تحرير الإسلام ورسائل زمن التحولات"، يهدف المفكر الأردني فهمي جدعان إلى تخليص الإسلام مما وقف حائلاً أمام العودة إلى منابعه النقية ومبادئه السامية، وأدى إلى إهمال المقاصد القرآنية، إضافة إلى تصحيح حقيقة التراث وفصله عن المقدس؛ فالتراث عند جدعان هو عمل بشري تدخل فيه النواحي الثقافية والمعرفية والاجتماعية والتاريخية والسياسية، وليست له علاقة بالوحي المقدس الذي لا يُعد تراثاً ولا يدخل ضمنه.

يرسم جدعان، في "تحرير الإسلام ورسائل زمن التحولات"، حدود التراث وكيفية التعامل معها، وأهمية التخلص من المناهج المعرفية القديمة التي ما زالت موجودة، مثل الاستنباط والقياس، داعياً إلى استخدام المناهج العلمية والعقلية الحديثة، ومحذراً من مخاطر السلفية ومنهجها التقليدي.

بشرية التراث

يجتهد جدعان في الدفاع عن المقاصد السامية للدين الإسلامي، وتحريره مما علِق به من أفكار خاطئة عبر فهم بشري خاطئ، سواء فهم تراثي امتد إلى العصر الحالي وتجلياته، وكذلك الفهم المعاصر للدين وإشكالياته، التي تتعارض مع "المقاصد العظمى" للإسلام، دون أن يحاول تحرير الدين من جوهره النبيل ومقدماته الكبرى؛ كما أنه لا يحاول أن يقدم إسلاماً جديداً، أو إلغاء التجربة الإسلامية بشكل كامل وشجبها، بل يقصد تخليص الدين من الشوائب وإعادة تقديمه في صورته النقية الأصيلة، التي خالطها الفهم البشري بكثير من المغالطات والتجاوزات، عبر مراحل التراث التاريخية المتتالية.

يعتمد الكاتب، في محاولة التحرير هذه، على تخليص الإسلام مما وصفه بـ"العقائد والأفكار والمفاهيم والتصورات السالبة، التي تُجرد الإسلام من صورته النقية، وتؤدي إلى فهم مغلوط"، حسب قوله؛ فيتعامل بشكل مباشر مع الأفكار التي أصبحت لها قوة المبادئ العامة، بينما هي في الأصل فهم بشري أنتج تصورات غير صحيحة عن الدين، تسبب في تشويه مقصود أو غير مقصود للدين، حتى يُحرر الدين ويعود بالإسلام إلى الصورة النقية بشكل مباشر، عبر العودة إلى الوحي الديني، الذي يوضح حقيقة الإسلام وقيمه الكبرى ومعانيه السامية، حسب قوله.

الديني والمدني

تحتل مشكلة الإسلام وعلاقته بالحكم مساحة هامة لدى الكاتب؛ إذ يرى أن سبب ضعف التجربة التاريخية الإسلامية مسألة الحكم، التي استمرت تاريخياً حتى عصرنا الحالي بين دعاة الحكم الديني والدينية وبين المطالبين بالدولة المدنية، وهو صراع ما زال قائماً، به كثير من الالتباس؛ إذ يُصدّر المطالبون بالدولة الدينية أن دعاة المدنية يحاربون الدين ويرغبون في القضاء عليه، مما عطل التجربة الإسلامية عن التطور عبر تاريخها وأوصلها إلى حالة من الركود والجمود، ضربت معالم التاريخ الإسلامي كله السياسية والحضارية والثقافية والمعرفية والدينية، حسب قوله.

يقول جدعان إن التاريخ الإسلامي شهد صراعاً داخلياً كبيراً بين الداعين إلى الحكم الديني والدولة الدينية، تَمثل في كيفية الحكم الديني في ظل الدولة الإسلامية، هل يكون عبر تطبيق الأحكام الشرعية بشكل مباشر، أم عبر تطبيق مبادئ الدين ومقاصده؟ إضافة إلى زج الإسلام في مسائل سياسية غير أخلاقية، حتى أصبح الدين في خدمة الانتهازية السياسية في التاريخ الإسلامي، الأمر الذي أدى إلى تشوه الفكر الديني وعلومه، ووجب إنهاؤه عبر إعادة الاعتبار للدين، وإبعاده عن خدمة السياسة. لا يعني هذا وجود فصل بين الدين والدولة، كما يردد بعض دعاة الدولة الدينية؛ إذ إن الدولة الحديثة دولة تبغي تحقيق العدل الذي هو أحد أهم مقاصد الشريعة وقيمها السامية، حسب قوله.

 التراث والمقدس

يطالب جدعان بتصفية التراث ومراجعته؛ فهو حسب وصفه "تقلب في التاريخ وانحدر إلى الإسلام الحديث"، الأمر الذي يدعو إلى "نظر جديد" للتراث، الذي يقسمه إلى ثلاثة أبواب جديرة بالمراجعة والتصفية، وهي: "حدود التراث، ووظيفة التراث، وإبداع التراث"؛ كما أنه يضع ثلاثة ارتباطات مع التراث هي: العلاقة الدينية، التي تتمثل في الإسلام وحضوره الديني في التراث؛ والعلاقة القومية باعتبار أن التراث يُنسب للعرب؛ والعلاقة الإنسانية التي تتمثل في "الصائغ الإنساني" أو الصانع البشري للتراث.

يرفض الكاتب الوهم التراثي السائد الذي يرى أن النص الديني المتمثل في الوحي أحد العناصر المكونة للتراث، فلا علاقة بين الوحي أو التراث، والتراث ليس إلا إنجازاً إنسانياً له شروطه، فلا علاقة بين "المقدس" وبين التراث، الأمر الذي يجب التعامل معه وفق فكرة "تاريخية التراث"؛ إذ لا إعادة النظر في التراث واستخدام إلا بعضه الذي "يقبل أن يكون جزءاً حياً من الحاضر"، حسب قوله.

يدعو الكاتب إلى الاستعانة بالمنهجية العقلية لنقد العلوم التراثية بشكل عام، وعلى رأسها علم أصول الفقه، الذي يرى أنه لا يتوافق مع المقاصد والمبادئ الأساسية للقرآن، كما أن منهجه وإنتاجات هذا العلم لا تتوافق مع الواقع الحالي؛ الأمر الذي يلزم إعادة النظر فيه وفي إنتاجاته لأحكام شرعية تتجاهل المقاصد ولا تتبع المصلحة الإنسانية، فيدعو إلى العودة في علم أصول الفقه إلى مبادئ الشرع، وليس إعادة تدوير الأحكام الشرعية، حسب قوله.

تحرير المرأة

ينتصر جدعان للمرأة المسلمة، وينتقد ما وصفه بـ"الفقه التقليدي الذكوري"؛ فيدعو الى تحرير المرأة من القيود التي كُبلت بها بسبب الفهم الخاطئ للدين، وما نتج عن هذا الفهم من وضع متدنٍ انتقص من إنسانيتها وأهدر آدميتها، تَمثل في أحكام فقهية منافية "للنص والعقل"، وتسبب في "دونية المرأة"؛ الأمر الذي لن ينتهي إلا عبر العودة إلى النص القرآني مباشرة، والابتعاد عن القراءات التقليدية التراثية له، واستخدام العقل لتأويله، والاعتماد على "مقاصد القرآن العظمى" التي تُعيد للمرأة حقوقها وإنسانيتها وأهليتها الكاملة.

يشير الكاتب إلى أهمية المنهج العقلي في وضع المرأة في مكانها الصحيح، كما يدعو إلى استخدام المنهج العقلي في قراءة القرآن وتأويله وإعادة تفسيره، مع وضع المتغيرات العصرية والتطورات التاريخية والمجتمعية في الاعتبار، وإلى استخدام نفس المنهج العقلي في دراسة الأحاديث النبوية والسيرة المحمدية، حتى نصل إلى المقاصد العامة لها التي تتوافق مع مقاصد القرآن الكريم العامة، ونحقق المساواة والتكامل بين الرجل والمرأة؛ إذ إن الفرق بينهما فرق في الطبيعة الوظيفية وليس في أصل الهوية، حسب قوله.

مشكلات رئيسة

يُقيم جدعان الحال الذي عليه الإسلام اليوم، فيرى أنه وصل إلى "حدوده الدنيا"، ويسبب لذلك بإشكاليات لدى أتباع الإسلام وعلى رأسهم القائمون عليه والمهتمون به، الذين تسببوا في مشكلات رئيسة ثلاث للإسلام، هي:

- اقتصار المناهج المعرفية الإسلامية على الاستنباط والقياس، والتزام القراءة الحرفية "الظاهرية" للنص الديني.

- انتشار الفكر السلفي الجهادي واعتباره الخطاب الإسلامي الوحيد الذي يجب أن يسود.

- فشل العلاقات الإنسانية الاجتماعية بشكل عام، وفشل المصالحة مع الجانب النسوي ورد الاعتبار له.

ويطالب الكاتب بإصلاح حال الإسلام اليوم عبر التخلي عن المناهج المعرفية القديمة، وعلى رأسها الاستنباط والقياس، واستخدام المناهج العقلية الحديثة بديلاً، وفتح باب التأويل العقلي للنصوص الدينية، وبدء إعادة النظر في الخطاب العام ليصبح خطاباً حضارياً.

مخاطر السلفية

ينتقد جدعان التيار السلفي، ويقسمه إلى أقسام ثلاثة، هي: السلفية التاريخية والسلفية الإحيائية "المجددة" والسلفية الجهادية؛ فهو تيار فكري يدعو إلى التقليد والاتباع، ورفض التجديد والاجتهاد العقلي والإبداع؛ فيرصد التطور التاريخي للسلفية، التي ترى أنها متصلة بالصحابة والتابعين. فالسلفية تبدأ عند الإمام أحمد بن حنبل، الذي يصفه بأنه "رائد السلفية"، ثم تتنامى عند "أبو جعفر الطحاوي" بداية من القرن الرابع الهجري، وصولاً إلى تقي الدين بن تيمية، الذي وضع الأسس المعرفية والقواعد الأساسية التي ما زالت سائدة حتى اليوم، ويلتزمها أبناء التيار السلفي وعلى رأسهم التيارات الحركية الجهادية التي تُعد أخطر أنواع السلفيات وأشدها ضرراً على الإسلام والمجتمعات العربية والإسلامية، حسب قوله.

رغم ذلك، يُبشر جدعان بالحداثة العربية، ويرى أن الحداثة رغم أنها إنتاج غربي فإنها لا تقتصر عليه، بل هي "معطى كوني تاريخي، فبحكم وقائع الثقافة الغربية منذ القديس أوغسطين، وبحكم وقائع العربية منذ الانبعاث القومي، تقلبت الحداثة إلى أن انتهت في المجال الكوني بمفهوم خاص لها؛ والحداثة العربية يجب أن تبدأ بالقرآن الذي مَثَّل ظاهرة معرفية فارقة بين المجتمع الجاهلي وبين الإسلام، ثم يجب أن تشمل جميع العلوم الإسلامية والتراثية"، حسب قوله.

وختاماً، لا بد من تضافر الجهود الفكرية والعملية والعقلية والحداثية، بدل أن تتناحر، من أجل تحقيق الحداثة العربية والنهضة والعودة إلى المسار الحضاري، وذلك لإعادة النظر إلى التحديات التي تواجه العالم العربي، وعلى رأسها التراجع الحضاري وانتشار العنف وسيادة التراث وإصلاح الشأن النسوي، وغير ذلك من الإشكاليات التي تقف حائلاً ضد تحرير الإسلام مما علِق به من تراكمات وأخطاء امتدت عبر التاريخ إلى العصر الحالي.

 

الأكثر قراءة

اتجاهات ثقافية

معركة ذي قار: مقدمات الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس

30-01-2025

اتجاهات ثقافية

الحور العين: اختلاف الحقيقة القرآنية عن مِخيال المفسرين والرواة

01-09-2024

قراءات عامة

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة وتجديد الخطاب الفقهي

14-09-2024

قراءات عامة

دليل التدين العقلي: عقلنة الدين لأجل الإصلاح الجذري

20-11-2024

قراءات عامة

خليد بنعكراش: القواعد "الست" في فهم وتأويل القرآن

01-09-2024

اقرأ أيضاً

قراءات عامة

أصول جديدة: لماذا ينبغي إعادة التفكير في فقه المرأة؟

01-09-2024

ارسل بواسطة