كتاب "الوجيز في الاقتصاد الإسلامي" للباحث والأكاديمي المصري محمد شوقي الفنجري، الصادر عن دار الشروق بالقاهرة، في عام 1994، يُعد من المراجع المهمة في مجال الاقتصاد الإسلامي؛ حيث يعرض بأسلوب مُبسَّط وواضح لمفاهيم وأصول الاقتصاد الإسلامي، مع تسليط الضوء على تميز هذا النظام عن الأنظمة الاقتصادية الأخرى كالرأسمالية والاشتراكية.
يعالج الكتاب بعض المفاهيم الأساسية، ويضع إطاراً نظرياً لفهم كيفية تعامل الاقتصاد الإسلامي مع القضايا الاقتصادية من خلال منهج خاص به. ومن ثَم، يسعى الكاتب إلى إبراز المنهج الفريد الذي يتبعه الاقتصاد الإسلامي في تحليل ودراسة القضايا الاقتصادية، والتمييز بين الاقتصاد بوصفه علماً، وبين الاقتصاد الإسلامي بوصفه نظاماً اجتماعياً وأخلاقياً مستمداً من الشريعة الإسلامية.
الاقتصاد الإسلامي
ينطلق الفنجري من فكرة أن الإسلام ليس مجرد دين يقتصر على الجوانب الروحية، بل هو منهج حياة شامل ينظم مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الاقتصاد؛ ليصل إلى تبيان أهمية الاقتصاد الإسلامي كعلم ونظام في العالم المعاصر، وخاصة في ظل فشل العديد من الأنظمة الاقتصادية الأخرى في تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي.
ويؤكد أن "الاقتصاد الإسلامي لا ينفصل عن الأخلاق والقيم الدينية، بل يستند إلى قواعد ومبادئ شرعية تُحقِّق العدالة والمساواة بين الناس"، حسب قوله. ويُعرف الفنجري الاقتصاد الإسلامي بأنه "هو الذي يوجه النشاط الاقتصادي ويُنظمه، وفقاً لأصول الإسلام ومبادئه الاقتصادية"؛ مشيراً إلى أن هذا الاقتصاد الإسلامي ذو شقين: "الأول، شق ثابت وهو خاص بالمبادئ، أي مجموعة الأصول الاقتصادية التي جاءت بها نصوص القرآن والسنة، ليلتزم بها المسلمون في كل زمان ومكان، بصرف النظر عن درجة التطور الاقتصادي للمجتمع، أو أشكال الإنتاج السائدة فيه". ويوضح الكاتب هذه الأصول، التي منها: "أصل أن المال مال الله والبشر مستخلَفون فيه"؛ ومنها: "أصل ضمان حد الكفاية لكل فرد في المجتمع الإسلامي".. وغيرها.
أما الشق الآخر، فهو: "الشق المتغير، وهو خاص بالتطبيق، وهو عبارة عن الأساليب والخطط العملية والحلول الاقتصادية التي يكشف عنها أئمة الإسلام، لإحالة أصول الإسلام إلى واقع مادي يعيش المجتمع في إطاره"، حسب تعبيره.
في هذا الإطار، يُقدّم الفنجري تعريفاً واضحاً للاقتصاد الإسلامي، ويضع إطاراً لمبادئه الأساسية. فالاقتصاد الإسلامي، بحسب الكاتب، هو نظام اقتصادي يقوم على مجموعة من القواعد التي تستمد أساسها من القرآن الكريم والسنة النبوية، ويهدف إلى تحقيق التوازن بين متطلبات الروح والجسد، وإقامة العدل الاجتماعي. إذ يرفض الاقتصاد الإسلامي، كمثال، مبدأ الربا الذي يُعتبر أساساً في الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية، ويضع بدلاً منه مبادئ مثل الزكاة والوقف لتحقيق التوزيع العادل للثروة.
يشير الكاتب إلى أن الاقتصاد الإسلامي يضع الإنسان في قلب العملية الاقتصادية، ولا يتعامل معه كمجرد وسيلة للإنتاج والاستهلاك، بل يعتبره جزءاً من منظومة أوسع تشمل القيم والأخلاق. كما يُشدد على أن الإسلام يُلزم الدولة بالتدخل لتحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي، ويحث على التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع.
النظام الإسلامي
يُقدّم الفنجري شرحاً لمبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي، ويُبيّن كيف تختلف هذه المبادئ عن الأنظمة الاقتصادية الأخرى. من بين المبادئ التي يناقشها الكتاب:
- التوحيد والعدالة الاجتماعية: إذ يؤكد الفنجري أن "التوحيد" هو أساس النظام الاقتصادي الإسلامي؛ حيث يجب أن يكون الإنسان في كل تصرفاته الاقتصادية خاضعاً لإرادة الله. ومن ثَم، يجب أن تتوافق الأنشطة الاقتصادية في الإسلام مع القيم الإسلامية، وأن تلتزم بمبادئ العدل والمساواة. كما يُركز الفنجري على مفهوم "العدالة الاجتماعية" في الإسلام؛ والذي يعكس التوازن بين الحرية الاقتصادية من جهة، وبين ضرورة توفير الحاجات الأساسية للجميع من جهة أخرى. فالاقتصاد الإسلامي، بحسب الفنجري، يُلزم المجتمع بتحقيق التوزيع العادل للثروات من خلال أدوات مثل الزكاة والصدقات.
- حرية التملك: فبالرغم من أن الإسلام يُجيز الملكية الخاصة، فإن هذه الملكية محدودة، في رأي الفنجري، بالحقوق العامة، ولا ينبغي أن تؤدي إلى الإضرار بالآخرين أو بالبيئة. ويُوضح الفنجري أن الإسلام ينظر إلى المال على أنه أمانة، ويجب أن يتم استخدامه بما يعود بالنفع على المجتمع ككل.
- التكافل الاجتماعي وتحريم الربا: بالنسبة إلى هذا الأخير، "تحريم الربا"، يعتبر الفنجري أن الربا يُخل بمبادئ العدالة الاجتماعية ويؤدي إلى تركز الثروة في يد قلة من الأفراد على حساب الأغلبية. ولذلك يؤكد على مبدأ "التكافل الاجتماعي"؛ حيث يلزم الاقتصاد الإسلامي أفراد المجتمع والدولة بتقديم الدعم والمساعدة للفقراء والمحتاجين، وذلك من خلال أدوات متعددة مثل الزكاة والوقف.
المنهج العلمي
يُبرز الفنجري أن الاقتصاد الإسلامي يعتمد على منهج علمي فريد، يستمد أساسه من الوحي الإلهي ومن الفهم الفقهي. هذا المنهج يقوم، في نظره، على الجمع بين العقل والنقل؛ حيث يتكامل الاجتهاد العقلي مع النصوص الشرعية؛ مؤكداً أن هذا المنهج يتميز بالمرونة والقدرة على التكيف مع المتغيرات الزمانية والمكانية، دون التفريط في المبادئ الأساسية.
وضمن ملامح هذا المنهج العلمي، يوضح الفنجري أن الاقتصاد الإسلامي لا يتعامل مع القضايا الاقتصادية بشكل منعزل، بل يتداخل مع الجوانب الاجتماعية والسياسية والأخلاقية. فعلى سبيل المثال، لا يمكن الفصل بين القضايا الاقتصادية وبين العدالة الاجتماعية أو القيم الأخلاقية في الإسلام؛ حيث تُعدّ هذه القيم جزءاً لا يتجزأ من العملية الاقتصادية.
أيضاً، يُقدّم الفنجري تمييزاً واضحاً بين علم الاقتصاد الحديث والاقتصاد الإسلامي. علم الاقتصاد، كما يُدرَّس في الجامعات، يقوم على مجموعة من الفرضيات التي تنطلق من افتراض أن الإنسان كائن اقتصادي، يسعى لتعظيم منفعته الشخصية؛ أما الاقتصاد الإسلامي فينطلق من رؤية شاملة للإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض، ويجب أن تُراعي تصرفاته الاقتصادية قيم العدل والرحمة.
كما يوضح الفنجري أن علم الاقتصاد الحديث يُعتبر علماً وصفياً وتحليلياً، يهدف إلى فهم سلوك الأفراد والشركات في السوق؛ بينما الاقتصاد الإسلامي هو علم معياري يعتمد على القيم والأحكام الشرعية. وبالتالي، فإن الاقتصاد الإسلامي لا يقتصر على دراسة الظواهر الاقتصادية، بل يتجاوز ذلك لوضع الضوابط والمعايير التي تحكم الأنشطة الاقتصادية.
أيضاً، يُشير الفنجري إلى أن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها علم الاقتصاد تختلف عن الأهداف في الاقتصاد الإسلامي. في الاقتصاد الحديث، يتم التركيز على تعظيم الربح والكفاءة الاقتصادية، بينما في الاقتصاد الإسلامي تكون الأهداف أوسع وتشمل تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل والتوازن بين مصالح الفرد والمجتمع.
ويلفت الفنجري الانتباه إلى أهمية الفقه الاقتصادي في الإسلام؛ حيث يوضح أن الفقهاء المسلمين كانوا منذ العصور الأولى مهتمين بالقضايا الاقتصادية مثل العقود التجارية، والبيوع، والزكاة، والوقف؛ ويشير إلى أن الاقتصاد الإسلامي يعتمد بشكل كبير على الفقه، كإطار تنظيمي، لضمان توافق الأنشطة الاقتصادية مع الشريعة الإسلامية.
وهكذا، يُبرز الفنجري أهمية تبني الاقتصاد الإسلامي كحل للعديد من المشكلات الاقتصادية المعاصرة، التي تعاني منها الدول النامية والمتقدمة على حد سواء. ويشير، في هذا الشأن، إلى أن تطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي يمكن أن يسهم في تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، ويحد من الفقر والتفاوت الطبقي.
وختاماً، يُعد كتاب "الوجيز في الاقتصاد الإسلامي"، للباحث والمفكر المصري محمد شوقي الفنجري، مرجعاً أساسياً لفهم الأسس النظرية للاقتصاد الإسلامي. يتميز الكتاب بأسلوبه الواضح والبسيط، مما يجعله مناسباً لكل من المتخصصين وغير المتخصصين. كما أن مناقشة الفروقات بين الاقتصاد الإسلامي وعلم الاقتصاد التقليدي، تُعدّ من أبرز نقاط القوة في الكتاب؛ حيث يقدم الفنجري تحليلاً نقدياً عميقاً لهذه الفروقات ويبين كيفية تميز النظام الإسلامي عن الأنظمة الاقتصادية الأخرى.
الكتاب يطرح أيضاً العديد من التساؤلات حول إمكانية تطبيق الاقتصاد الإسلامي في العالم المعاصر، خاصة في ظل هيمنة النظام الرأسمالي على الاقتصاد العالمي؛ هذا، بالرغم من أن الكتاب لا يقدم حلولاً تفصيلية لجميع القضايا الاقتصادية المعاصرة.